GFX Gattuso De Zerbi

تعميد بالنار ! دي زيربي ومقامرة مارسيليا "مقبرة المدربين"

"التعميد بالنار" هو مصطلح له دلالات عدة بالديانة المسيحية ولكن أيضاً يستخدم عند الإشارة عند خوض شخص للحرب للمرة الأولى في حياته من قبل العسكريين، وفي كرة القدم، يمكن القول إن قرار روبرتو دي زيربي تدريب مارسيليا هو "التعميد الناري" للمدرب الإيطالي!

أصبح دي زيربي من أكثر المدربين المطلوبين في الساحة الأوروبية في الشهور الماضية بعد صعوده القوي بمسيرته منذ أن لفت الأنظار مع ساسوولو، مروراً بشاختار، ووصولاً لمحطة برايتون في البريميرليج حيث جذب الأنظار بكرته الهجومية والجذابة التي جعلت البعض حتى يصل لمقارنته بمدرب مانشستر سيتي بيب جوارديولا.

أندية من حجم بايرن ميونخ، مانشستر يونايتد، ميلان، وأخرى ذات صيت ارتبطت مؤخراً بالإيطالي الشاب لقيادتها في خطوته التالية عقب إعلانه الرحيل عن برايتون، ولكن صاحب الخمسة وأربعين عاماً فاجيء الجميع عندما قرر ترك أضواء الدوري الأقوى بالعالم ولم يتوجه حتى نحو ميونخ أو بلاده إيطاليا، ولكن نحو جنوب فرنسا مع عملاقها مارسيليا.

الموضوع يُستكمل بالأسفل

يعد مارسيليا أحد عمالقة الكرة الفرنسية، الفريق الوحيد بالبلاد الذي حقق دوري أبطال أوروبا وصاحب درع الدوري في تسع مناسبات والكأس في عشر، ولكن في السنوات الأخيرة تراجع كثيراً أمراء الجنوب ودخلوا في دوامة المشاكل الإدارية والاقتصادية، معاناة مع تغير الإدارات ومحاولة تصحيح الأوضاع بعد تكرر عقوبات اللعب المالي النظيف من يويفا، ظروف أثرت بشكل كبير على أداء الفريق بالميدان واستقراره الفني.

أربعة مدربين الموسم الماضي تعاقبوا على تدريب مارسيليا عقب رحيل إيجور تودور الذي معه نوعاً ما عرف الفريق الاستقرار وعاد للمنافسة، ولكن بعد عام وحيد اصطدم المدرب الكرواتي بضعف إدارة ناديه بقيادة بابلو لونجوريا وفشلها في تلبية مطالبه وكبح جماهير النادي وخصوصاً أبرز فصائل الأولتراس التي لها كلمة كبرى في تحريك سياسات عملاق الفيلدروم، ليتوالى الرباعي مارسيلينو الذي بقي فقط ثلاثة شهور مع النادي ورحل بسبب الجمهور رغم قوة علاقته بلونجوريا صديقه الشخصي، ثم أتي جينارو جاتوزو بتطلعات كبرى وآمال ضخمة لإنقاذ الموسم ولكن الإيطالي رغم شخصيته القوية فشل في تصحيح الأمور وغادر هو الآخر في فبراير عقب 6 أشهر فقط بالمنصب، ليأتي جان لويس جاسيت ليكمل الموسم كثان مدرب مؤقت بنفس الموسم عقب جاك أباردونادو الذي تولى المنصب لأسبوع في سبتمبر!

هل تفهم عزيزي القاريء الآن سبب مصطلح "التعميد بالنار" في بداية المقال؟ مقامرة من دي زيربي قبول تدريب مارسيليا وسط كل تلك الظروف العاصفة، عدم استقرار وإدارة ضعيفة أمام تدخلات الخارج، وليس فقط الجماهير، بل حتى الساسة في مارسيليا يتدخلون في أمور كما حدث مؤخراً في صفقة ميسون جرينوود التي رغم إتمامها ولكن شهدت معارضة ليس فقط الجماهير ولكن حتى عمدة المدينة الذي انتقد ضم لاعب لا يمثل قيم مارسيليا رغم دفع ناديه مبلغاً سيقارب 30 مليوناً!

يعلم دي زيربي بالتأكيد كل تلك المعطيات بخصوص ناديه الجديد ولكن ما ليس معلوماً هو سبب اختياره لمارسيليا، هل يعتبره تحدياً خاصاً لإثبات معدنه ليس فقط كمدرب ولكن كمدير سيعيد النظام وينجح فيما فشل فيه مواطنه وصاحب الصيت كشخصية صارمة جاتوزو، أم أراد التدرج في مسيرته التدريبية وتفادي القفزة الكبيرة نوعياً بالانتقال من برايتون إلى أحد الكبار من أمثال بايرن مباشرة؟

فترة دي زيربي مع برايتون أثبتت أنه يعرف كيف يخرج الأفضل من لاعبيه ويجعل فريقه يقدم كرة قدم عصرية ومميزة، ونجح في قيادة الفريق لمشاركة قارية وتفوق بمجموعته بالدوري الأوروبي على عمالقة مثل أياكس ومارسيليا بالذات، ولكن الهزيمة القاسية برباعية ضد روما ومدرب إيطالي شاب آخر وبخبرات أقل هو دانييلي دي روسي ركزت الضوء على نقاط ضعفه على الصعيد الدفاعي، نقطة دائماً ما لازمت فرقه لدرجة وصفها "بالسذج"، وأظهرت أن أمام الإيطالي الكثير ليتعلمه بعد ليكون قادراً على الدخول ضمن زمرة الصفوة من المدربين.

مقامرة دي زيربي في مارسيليا سلاح ذو حدين، إذا نجح في البقاء لمدة عقده (3 سنوات) سيكون ذلك في حد ذاته إنجازاً، وإذا حدث فهو يعني أنه أعاد الفريق للمنافسة محلياً وضمان المشاركة قارياً على الأقل، لأن تحقيق الألقاب في فرنسا مطلب صعب بوجود باريس سان جيرمان، ولكن إذا فشل ورحل سريعاً كجاتوزو والبقية لنفس الأسباب ستكون نقطة سوداء في مسيرته البكر ستعزز من الشكوك حول صلاحيته لكبرى الأندية، وقد يجد الإيطالي نفسه ينتقل من خانة المدرب الواعد الصاعد بقوة لفاشل آخر في مارسيليا يبحث عن إحياء مشواره، أمر لم يوفق فيه جاتوزو ولا مارسيلينو ولا كثيرون غرقوا في بحار "الفيلدروم" بالسنوات الأخيرة.

إعلان